طبخات

يفضلون أكلها يوم الجمعة و لهم طريقة خاصة لتحضيرها .. ” السمك المسكوف ” الوجبة الأكثر شهرة في العراق

يشتهر العراق بنهري دجلة والفرات، بالإضافة لعدة بحيرات مليئة بأنواع مختلفة من الأسماك مثل “الشبوط” و”الكارب” و”البني” و”الكطان”، وغيرها من أنواع كثيرة، بالإضافة للاهوار في جنوب العراق والتي كانت تغطي سابقاً مساحة تبلغ حوالي 20 ألف كيلومتر مربع.

لذا ليس من المستغرب أن يصبح السمك وجبة رئيسية في المطبخ العراقي، فظهرت طريقة شواء مميزة اسمها “السمك المسكوف”، لن تجدها في أي مكان آخر في العالم، وإن كانت هناك مطاعم سمك مسكوف في دول عدة، فغالباً يكون أصحابها من العراقيين.

يعد شارع أبي نؤاس المطل على نهر دجلة في بغداد، من أهم المناطق في العراق التي تنتشر فيها مطاعم السمك المسكوف منذ عشرات السنين، ولطالما ازدحمت تلك المطاعم بعشاق الأكلة العراقية، من سكان بغداد وجميع المحافظات وحتى السياح العرب والأجانب.

معظم أصحاب مطاعم السمك المسكوف في ذلك الشارع، توارثوا المهنة أباً عن جد، ولديهم صيادون محل ثقة للتعامل معهم، لتزويدهم بالسمك الطازج يومياً، والذي يوضع في أحواض أعدت خصيصاً لهذا الغرض تتوسطها نافورات مياه، حتى لا يصبح الماء راكداً، وحتى يولد الأوكسجين للسمك ويبقى حياً.

تبدأ عملية تحضير “سمك المسكوف” بعد اختيار الزبون للسمكة التي يريد من الحوض، واصطيادها بشبكة يدوية خاصة، تبدأ عملية تحضير السمك المسكوف بشق السمكة من الظهر، وربما يكون العراق هو البلد الوحيد الذي يقوم بفتح الأسماك بهذه الطريقة، ثم تخرج أحشاء السمكة وينظف داخلها بالماء، وبعدها يتم إضافة الملح.

ثم تترك السمكة قليلاً تمتص الملح، وفي تلك المطاعم يوجد مكان خاص لشوي السمك مرتفع قليلاً عن الأرض، على شكل دائرة قطرها متران أو 3 أو أكثر، بحسب الكمية التي يبيعها المطعم يومياً من السمك المسكوف.

في وسط هذه الدائرة يتم إشعال الحطب الجاف، من أشجار الفواكه وأشجار الحمضيات بشكل خاص، لأنها تبقى مشتعلة لوقت طويل، وأيضاً لن تولد دخاناً أو رائحة يمكن أن تعلق في السمك المسكوف، وبعد ذلك يتم تثبيت أوتاد خشبية في محيط تلك الدائرة، حتى تُعلق عليها الأسماك، بعد أن يتم صنع فتحات في الجلد لدخول تلك الأوتاد.

يشوى السمك المسكوف بطريقة الإشعاع، وليس باللهب المباشر، فتوضع السمك على مسافة من الحطب المشتعل، ويقوم المسؤول عن الشواء، بالسيطرة على النار وشدتها، ويقوم بتقريبها أو إبعادها عن السمك، أو إضافة الحطب بحسب ما يراه مناسب، وهي عملية تحتاج خبرة خاصة، لأن كمية الحرارة العالية قد تسبب سقوط السمكة، والحرارة القليلة تجعلها جافة.

تستغرق تلك العملية ساعة كاملة أو أكثر قليلاً، وبعد نضوج بطن السمكة وتحولها إلى اللون البني اللامع، ترفع السمكة من الأوتاد، ويوضع ظهر السمكة بشكل مباشر على قليل من الجمر لدقائق قليلة، حتى ينضج ظهر السمكة، ويعصر فوقها الليمون أو يضاف دبس الرمان.

ويقدم السمك المسكوف مع أنواع السلطات المختلفة وصلصة “العنبة العراقية” والمخلل والبصل الأخضر الطازج والخبز العراقي الساخن من “تنور الطين”، أما المشروبات فيقدم معه “اللبن المُدَخن”، ثم يتبع ذلك بكأس شاي صغير (استكان باللهجة العراقية) مع الهيل.

على الرغم من أن السمك المسكوف يمكن تناوله في كل يوم، لكنه ارتبط في العراق بيوم الجمعة، لأن يوم الجمعة يعتبر بداية عطلة نهاية الأسبوع، فيجتمع أفراد العائلة العراقية، أو يتبادلون الزيارات في ذلك اليوم.

وأي وجبة أفضل من السمك المسكوف، حتى يحلو ذلك اللقاء؟ لذلك تشهد مطاعم بيع السمك المسكوف حركة بيع كبيرة في يوم الجمعة، قد تعادل ما تبيعه تلك المطاعم خلال الأسبوع كله.

الكثير من جوانب الحياة في العراق تأثرت بالأوضاع المتوترة والظروف الصعبة التي مر بها العراق بعد الغزو الأمريكي، وخاصة خلال الفترة التي شهدت قتالاً طائفياً وانتشار المجاميع الإرهابية في محافظات غرب العراق، التي تكثر فيها البحيرات التي كان يتم جلب الأسماك منها.

وكذلك الانفلات الأمني في السنوات التي تلت الغزو الأمريكي للعراق 2003، فانتشر الصيد الجائر، واستخدام السم أو الصعق بالكهرباء، وحتى استخدام المتفجرات، لصيد الأسماك، وعدم التزام الصيادين بمنع الصيد أثناء موسم تكاثر الأسماك.

وكذلك الجفاف وبناء السدود على منابع دجلة والفرات من الدول المجاورة للعراق، الأمر الذي تسبب في انخفاض منسوب المياه في تلك البحيرات وتجفيف الأهوار في جنوب العراق، ما أدى لتناقص أعداد أنواع الأسماك التي كانت تستخدم للشوي في تحضير السمك المسكوف، حتى أصبحت مهددة بالانقراض.

فاعتمد أصحاب مطاعم السمك المسكوف على مزارع سمك الكارب، الذي أصبح بديلاً عن باقي أنواع السمك التي كانت تعيش في بحيرات وأنهار العراق.

وأيضاً انتشرت مطاعم السمك المسكوف بين الأحياء السكنية، بعد أن كان يمنع افتتاح مثل تلك المطاعم إلا في مناطق محددة، بسبب كمية الدخان التي تحدث بسبب استخدام الحطب ووضع السمك على الجمر، وتقاطر دهن السمك على الجمر فينتج عنه دخان كثيف.

وكذلك استبدل أصحاب المطاعم الطريقة التقليدية لتعليق السمك على الأوتاد، وأصبحت توضع داخل شبكة معدنية؛ لأن الطريقة التقليدية لشواء السمك المسكوف تحتاج لشخص من ذوي الخبرة.

وأيضاً طريقة الشوي بالشبكة المعدنية تستغرق وقتاً أقل، ما يعني حطباً أقل، ولن يكلف صاحب المطعم مصاريف الطريقة التقليدية للسمك المسكوف نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى